لأن أجسادنا ليست غامضة: حوار مع زينب آل رضي، مؤسسة منصة نسوة

405E5893-84F2-416F-A9B5-DA9E773C2585.jpg

"قلبي مليان فرح وامتنان بوجودكم معي اليوم، نيتي ان احنا نّكون مساحة آمنة ونسمح لأنفسنا بأن نشعر بكل الاحاسيس أيًا كانت، وأن نتوقع الدعم دومًا من بعضنا." بهذه الجملة، بدأت زينب أول لقاء من كورس "أنتِ أدرى” المقدم من قبل منصة نسوة، لتبدأ معها رحلتي لفهم دورتي وجسدي بصورة أفضل وأكثر وعيًا .زينب آل رضي هي مدربة وعي خصوبة ومؤسسة منصة نسوة. تخرجت من جامعة متشقن بتخصص علوم صحية وبيئية، وخلال سنوات دراستها، بدأت رحلة بحثية خاصة مع شريكها لإيجاد طريقة آمنة وفعالة لمنع الحمل، صديقة للبيئة، وبدون هرمونات صناعية أو أعراض جانبية. من خلال هذه الرحلة، أسست زينب منصة نسوة، بهدف تمكين النساء في مجال الصحة النسائية، من خلال التعرف على ذواتهن ومراحلهن الدورية من منطلق علمي، حيث تعلمهن عن ممارسة وعي الخصوبة كطريقة طبيعية لمنع الحمل بفعالية تزيد عن ٩٩٪. ومن خلال هذه المنصة، تقود زينب  مساحة آمنة، من النساء للنساء، وتشاركهن رحلتهن لمراقبة صحتهن الأولية بأنفسهن.

كنت قد تعرفت على نسوة من خلال حسابهم على الانستغرام العام الماضي، ومن خلاله تعلمت كثيرًا عن الحيض، ووعي الخصوبة، وآثار حبوب منع الحمل الهرمونية على جسدي، والتي كان قد تم تحديدها لي كعلاج بعد أن اضطررت للجوء للتدخل الجراحي بسبب تكيسات المبايض.  ومع ما سببته لي الحبوب من أوجاع كالصداع النصفي والاكتئاب، وفي ظل زيادة الجهد النفسي والعصبي بسبب العزلة الاجتماعية التي فرضتها علينا ظروف هذه السنة، قررت الامتناع عنها والبحث عن حل آخر يتماشى مع وليس ضد حكمة جسدي الأنثوي. وبالفعل، وجدت في كورس أنت أدرى مساحة آمنة، ووجدت في زينب مرشدة مفعمة بالحماس، ومعلمة مخلصة شجعت فيّ الرغبة في التعلم وحب الاستكشاف والبدء في مغامرة قربتني من دورتي بعد غربة طويلة. 

الطاقة التي مكنتني إياها هذه الرحلة ألهمتني للتحدث مع زينب بعد انتهاء الكورس، ومن خلال هذه المقابلة، اتمنى أن تجدوا ما يشعل الشرارة والحماس بداخلكم لتبدأوا وتستمروا في رحلاتكم لاستكشاف أجسادكم، متخذين قرارات صحية مبنية على الحب، وليس الخوف.  

لأن الجملة التي أسمعها مراراً من النساء ممن يتعلمون أو يمارسون وعي الخصوبة هي "كيف لم نتعلم كل هذا من قبل؟" بدأت منصة نسوة 

كيف قررت إطلاق منصة نسوة؟ 

كبرت كأغلبية بنات جيلي، مفتقرات للوعي الجسدي. فكانت مصادري التي تتحدث عن جسد المرأة محصورة في أحاديث دينية، خرافات مختلقة، ودروس الأحياء المحذوفة أيام المدرسة. وبعد سنوات من نسياني لشغف التعلم في وسط أنظمة تعليمية مستنزفة لطاقة الطلاب وجدت ذلك الشغف الضائع بتعلمي وعي الخصوبة، فكان بإمكاني وضع إصبعي على الشغف الذي عشته أيام طفولتي، بحماسي لتعلم لغة جديدة، بالتلوين خارج الخطوط، وبالتعرف على جسدي للوهلة الأولى. خلال الخمس سنوات الماضية، أيقنت بوجود ثغرة في المحتوى العربي بما يخص الوعي الجسدي، وعي الخصوبة، والدورة الإباضية ككل، فكان ذلك بمثابة الشعلة الشرارة لفرصة تخلق إضافة مجتمعية. هذه الثغرة ما زالت موجودة وستظل لطالما استمرينا بتلقي الأقاويل المغلوطة عن أجسادنا، وقيامنا باتخاذ قرارات صحية وبيئية مبنية على تلك الأقاويل والمعتقدات. 

خلال سنوات دراستي، عقد شريكي -كريس- بحثاً مخصوصاً بموانع الحمل الهرمونية وتأثيرها البيئي. قد لفت ذلك انتباهي وقررت حينها بدء رحلتي البحثية الخاصة. كنا شغوفين حينها بإيجاد طريقة آمنة وفعالة لمنع الحمل، تكون صديقة للبيئة، بدون هرمونات صناعية أو أعراض جانبية، حينها وجدنا وعي الخصوبة. استخدمت الطريقة لسنوات الآن لمراقبة صحتي الهرمونية، ولمنع الحمل بفعالية. بعد تخرجي من الجامعة، قدمت على عشرات الوظائف، دون جدوى. بعد حوار دار بيني وبين كريس في نهار خريفي، تغيرت نظرتي للمستقبل الذي كنت أتخيله، وعلمته وقتها بأن نسوة لابد وأن تكون الآن، وليس بعد ٥ أو ١٠ سنوات. ولأن الجملة التي أسمعها مراراً من النساء ممن يتعلمون أو يمارسون وعي الخصوبة هي "كيف لم نتعلم كل هذا من قبل؟" بدأت منصة نسوة. 

 

حدثينا عن كورس أنت أدرى 

كورس أنتِ أدرى هو بوابة لاستكشاف عجائب أجسادنا والرسائل التي ترسلها لنا على الدوام. هو كورس تعليمي يهدف لزرع الوعي الجسدي الذي غالباً لم نحتفل به من قبل، وتعلم طريقة وعي الخصوبة بنية التعرف والاتصال بالذات، مراقبة الصحة الهرمونية، زيادة نسبة حصول الحمل أو منعه بفعالية تزيد عن ٪٩٩. هو كورس جماعي، يحتوي على لقاءات أسبوعية مباشرة، وأخرى مسجلة تستمر لمدة ٥ أسابيع. كل أسبوع يتخلله تركيز معين على الدورة الإباضية، علامات الخصوبة، كيفية تدوينها، وتطبيقها لتحقيق نوايانا. يجمع الكورس مجموعة من النساء الشغوفات بالتعرف على أجسادهم، ودعم بعضهم البعض في رحلتهم التعليمية والوصول للتشافي في بيئة آمنة للجميع، بدون طرح أحكام مسبقة. 

 

ما أهمية تثقيف النساء للنساء فيما يتعلق بصحة أجسادهن؟ 

نصت إحصائية قريبة أن النساء يعيشون بمعدل ٦-٨ سنوات بأعراض وآلام جسدية قبل الحصول على تشخيص طبي، كما أن نسبة كبيرة من النساء يتعرضون للتشكيك في حقيقة تجاربهم، وشدة آلامهم. إننا كنساء نملك دوراتنا، وهي أداة سحرية لمراقبة صحتنا العامة بين أيدينا والتي للأسف غالباً ما يتم دفنها، تقليصها، أو نعتها بأوصاف غير محببة. إن الدورة الإباضية هي العلامة الخامسة من علامات الصحة، كنبض القلب، وضغط الدم تماماً. فكما يستطيع طبيب قراءة مخطط نبض القلب ومعرفة دلالته على الصحة، فإننا بتعلم كيفية قراءة علاماتنا الدورية وتفسير دلالاتها نستطيع فهم ما يحدث في أجسادنا وارتباطه في أجهزة الجسد ككل. من خلال التدوين، تمكنت بعض النساء من معرفة وحل أسباب الإجهاض المبكر الذي كانوا يمرون به، ومعرفة ما إذا كان لديهم اضطراب في عمل الغدة الدرقية أو الهرمونات الجنسية على سبيل المثال. إن هذه الأداة العجيبة تهدينا تقريراً صحياً يعكس ما يحدث في دواخلنا، فدوراتنا هي مرآتنا. إن رسم مجتمعاتنا النسائية حول هذا الوعي الجسدي بأريحية لهو أمر ضروري في هذا الزمن بالتحديد، لإعادة هذا الاتصال ودفن الشعور بالخزي أو "العيب" وتشافينا الجمعي من الأفكار والمعتقدات المثبطة له والمتوارثة لنا جيلاً بعد جيل.  

 

هل يمكنك شرح أهمية فهم علامات الخصوبة لمن لا يعرف معناها؟ 

 إن العلامات الأولية للخصوبة ثلاث لكل منها أهميته ودلالاته في فهمنا للنشاط الهرموني الدوري من كل يوم

 ١) سوائل عنق الرحم: هي علامة أساسية، فالسوائل تفتح لنا نافذة الخصوبة، تزيد قاعدية البيئية المهبلية، وتساهم في فلترة واختيار الحيوانات المنوية الأصح للعبور واحتمالية تلقيح البويضة. هي دليل أن جسدنا يعمل على أكمل وجه باتزان رائع، وتعلن لنا اقتراب حصول الحدث الأهم من كل دورة، ألا وهو الإباضة. إن التعرف على نمط سوائل عنق الرحم الطبيعية والصحية الخاصة بنا يعطينا امتيازاً بالتفريق بينها وبين أي التهاب طارئ، أو ملاحظة غير طبيعية، فيتسنى لنا التدخل السريع. 

 ٢) درجات حرارة الجسم القاعدية: تؤكد لنا الإباضة بعد حصولها وهي أيضًا علامة أساسية، فإن هرمون البروجيسترون (المفرز بعد الإباضة) يعمل على تسريع عملية الأيض ورفع درجات حرارة الجسم واستمرارها بالارتفاع، ثم ينبؤنا باقتراب الحيض حين تنخفض مرة أخرى في نهاية الدورة. تلك هي العلامة المفضلة عندي، فلم يفاجئني أي حيض منذ أن بدأت بأخذ درجات حرارتي للآن! هذه الدرجات تعطينا أيضًا نظرة أقرب لنشاط الغدة الدرقية وبالتالي نظرة أقرب لصحتنا الهرمونية.  

 ٣) موقع عنق الرحم: يختلف موقع عنق الرحم باختلاف المراحل الدورية، فيكون ناعم، ندي، عالي، ومفتوح في نافذة الخصوبة (وقت احتمالية حصول الحمل) ويكون صلب، جاف، منخفض، ومغلق في المراحل الأخرى. إن هذه العلامة مفضلة للعديد من النساء ممن يحبون جمع المعلومات عن أجسادهم والتعرف عليها من زاوية أقرب، وهي علامة اختيارية.

 

نتعرض كنساء لاتهامات بكوننا كائنات أقل عقلانية بسبب تأثير الهرمونات على أجسادنا، ما حقيقة هذا الادعاء؟  

من الحقيقي أن النساء كائنات هرمونية فتتغير هرموناتنا من مرحلة لأخرى بشكل كبير، ولكنها تغيرات دقيقة فحين ننظر للنشاط الهرموني لأي امرأة في يوم ما من دورتها، فإننا نتمكن وبكل بساطة تحديد المرحلة الدورية التي تمر بها بشكل دقيق. ولكن التغيرات الهرمونية ليست حصراً لنا نحن النساء، فحين ننظر للرجال، نرى لديهم تغيرات في نسبة التستوستيرون بشكل يومي. كما نرى لديهم أيضاً تغيرات عشوائية في نسبة هذا الهرمون مع التعرض لعوامل خارجية عدة. الخلاصة هي كلا النساء والرجال كائنات هرمونية، ولكن ذلك لا ينتقص أو يزيد من أي منهما. إن الجمالية تكمن في اليقين باختلافنا والعمل مع أجسادنا والرقص مع سيمفونيتها الدورية. 

IMG_5889.PNG

 

تحدثنا خلال الكورس عن مشاركة الشريك للمسئولية في متابعة علامات وعي الخصوبة، ما أهمية هذه المشاركة؟  

على مر السنين، تحملت النساء مسؤولية منع الحمل أو استمراريته، فنرى اليوم عشرات الأنواع لموانع الحمل الهرمونية منها وغير الهرمونية. شهدنا مئات التجارب التي تعرضت فيها النساء لأعراض جانبية بما فيها موت البعض، وبعدها ترخيص ذات الحبوب الهرمونية للاستخدام الشخصي. شهدنا أيضاً تجارب أولية لموانع حمل هرمونية رجالية أوقفت خلال الأسابيع أو الأشهر الأولى لأسباب كانخفاض الرغبة الجنسية والاكتئاب للرجال المشاركين، وهي ذات الأعراض التي تمر بها ملايين النساء حول العالم اليوم بسبب موانع الحمل الهرمونية، والتي يتعايشون معها لأهمية تحقيق نيتهم التناسلية.

خصوبة الرجال أمر مغيب لدى الكثير، في حين أن نسبة مشاكل العقم وتأخير الإنجاب للرجال مساوية لنسبتها عند النساء! الرجال عنصر فعال في هذه المعادلة، وأظن أن وعي الخصوبة يوفر مساحة عادلة لمشاركة الجميع لإنه يكسر هذا الحاجز التمييزي ويوزع مسؤولية الحمل أو منعه على كلا الشريكين. يختلف شكل المشاركة من تجربة لأخرى، فقد يختار بعض الشركاء تذكير شريكاتهم بقياس درجة حرارتها، تدوين ملاحظاتها على ورق، حضور الدروس وتعلم الطريقة معها، أو تحوير ممارساته الجنسية بكل بساطة بما يتناسب مع نيتهما التناسلية. 

كلا النساء والرجال كائنات هرمونية، ولكن ذلك لا ينتقص أو يزيد من أي منهما. إن الجمالية تكمن في اليقين باختلافنا والعمل مع أجسادنا والرقص مع سيمفونيتها الدورية  

نعيش في عالم تتعرض فيه العديد من النساء للتعنيف والأذى الجسدي والنفسي من الشريك مما قد يؤثر على قدرتهن في اتخاذ قرار اتباع طريقة وعي الخصوبة، هل واجهتك هذه المشكلة عند العمل مع عميلاتك؟ وكيف يمكننا دمج النساء في هذه الحالات من وجهة نظرك؟ 

هناك ثلاث عناصر مؤثرة مباشرةً على فعالية استخدام وعي الخصوبة كوسيلة لتنظيم الحمل، هذه العناصر هي قدرتنا على ملاحظة وتدوين علامات الخصوبة الأولية بشكل صحيح، قدرتنا على تطبيق شروط الطريقة والقدرة على فتح وإغلاق نافذة الخصوبة بدقة، والقدرة على تحوير النشاط الجنسي الممارس في وقت نافذة الخصوبة. في عالم موازٍ، كم أحببت أن أقول بأن وعي الخصوبة مناسب للجميع بدون استثناء، ومع أن هذه العبارة تحمل نسبة كبيرة من الصحة، إلا أن وعي الخصوبة قد لا يكون مناسباً للنساء في علاقات متعسفة أو مؤذية جنسياً، جسدياً، أو عاطفياً.  

"تصلني رسائل من نساء حول العالم بأسئلة و تجارب كـ: "ماذا لو كان شريكي غير قابل لعمل هذه التغييرات؟" "يرفض استخدام العوازل" "زوجي يريد مني إنجاب المزيد من الأطفال، ولكني لا أريد" "هو غير مستوعب لفكرة وعي الخصوبة و يظنني رافضة له بشكل شخصي" "حين أرفض، لا يسمع ما أقول" "زوجي يظن بأن ممارسة الجنس معي من حقه على الدوام و متى ما أراد، حتى و إن كنت غير مستعدة أو راضية" "أجبرني زوجي على إزالة اللولب لكي أنجب المزيد من الأطفال"، أريد القول لهؤلاء: أنا أسمعك، لست وحدك، وتستحقين الأفضل. في العديد من هذه السيناريوهات، يكون الرجال جاهلين في الغالب. الحصول على القبول بممارسة الجنس ليس من الأمور المطروحة للمناظرة، سواء بممارسة وعي الخصوبة أو لا. تملك كل امرأة جسدها الذي تسكنه، ولا توجد أي علاقة على هذا الكوكب من شأنها أن تسلب النساء من هذه الملكية! ليس من حق أي زوج إجبار زوجته على الحمل والإنجاب، والأكيد أنه ليس من حقه ممارسة الجنس معها بدون رضاها. حين تكون المرأة في علاقة مع رجل لا يحترم خياراتها الجسدية والجنسية، ولا يكونان سوياً على ذات الصفحة بخصوص نيتهما التناسلية، فللأسف، وعي الخصوبة لن يكون وسيلة فعالة لتنظيم الحمل.  

في حالات أخرى، يكون الشريك محب لشريكته إلا أنه لا يعلم ما هي نافذة الخصوبة على سبيل المثال، أو معنى وعي الخصوبة حتى. ما يحتاجه الرجل في هذه الحالات الأخرى هو جلسة استشارية مع معلمة وعي خصوبة لفهم الطريقة بشكل علمي ومعرفة مسؤوليته المتوقعة لتحقيق نوايا شريكته الصحية، ونيتهما التناسلية

إننا نملك الكون بأكمله داخل أجسادنا، نحن الكون المصغر انعكاساً للكون الكبير 

أود التحدث قليلًا عن علاقة أجسامنا بالطبيعة، كيف تصفِ هذه العلاقة على الصعيد الشخصي؟ 

كان أول مرجع لي في اتصال أجسادنا الدورية بالطبيعية كتاب Wild Power الذي تصف فيه مؤلفات الكتاب كل مرحلة دورية بفصل من فصول السنة، ولكن المفهوم لم يرسخ معي إذ أني لم أكبر وأنا أرى التحولات الفصلية في بلدي بشكل كبير. بعد انتقالي للعيش لولاية متشقن الأمريكية، حظيت بعيش ذلك التغير الفصلي بأسمى حالاته وأيقنت حينها اتصالنا بالطبيعة. فكان الانتقال بين فصل الشتاء للربيع من أجمل ما شهدت عيناي في متشقن. ثم صيف، فخريف. كل فصل أخذ حقه هناك. شتاء شديد بثلج لؤلؤي. ربيع شاب بزهور الحي الملونة بألوان الطيف. صيف مشمس بكل ما لذ وطاب من خيرات الأرض، وخريف جذاب بكل الألوان الترابية والبرتقالية على جذوع الشجر.

  أجسادنا دورية كذلك! الشتاء شبيه في شعوره وطاقته بمرحلة الحيض، حين نرى العالم يبطؤ، النهار يقصر، الحيوانات تدخل في سبات طويل. هو وقت مثالي للعودة للداخل، للوثوق ببوصلتنا الأنثوية، لملء وشحن طاقتنا. هو وقت مثالي لأن نكون. أما الربيع فشبيه في شعوره وطاقته بمرحلة ما قبل الإباضة، حين يبدأ المزارعون بزرع بذورهم، تزهر الورود، وتظهر السناجب من جديد. هو وقت مثالي للظهور، لزرع بذور مشاريعنا وأفكارنا، لوضع خططنا، والخروج من كهفنا الدوري. الصيف شبيه في شعوره وطاقته بمرحلة الإباضة، حين تنضج الثمار، تتزايد مواسم التزاوج، وتشرق الشمس دون حياء. هو وقت مثالي لإعلان وجودنا، للسباحة عكس التيار، لرؤية مشاريعنا تنمو، ولبناء علاقاتنا الاجتماعية، العاطفية، والعملية. أما الخريف فيشبه في شعوره وطاقته مرحلة ما بعد الإباضة، حين تبدأ الشجر بتساقط أوراقها استعداداً للشتاء، وتغذي تلك الأوراق التربة. هو وقت مثالي لنبطئ نمطنا من جديد، لوضع حدودنا الصحية مع الأشخاص من حولنا، لإشعال حس الإبداع الكتابي والفني، وتقييم أداءنا، علاقاتنا، وعملنا. 

إننا نملك الكون بأكمله داخل أجسادنا، نحن الكون المصغر انعكاساً للكون الكبير! 

 

تصفين نفسك كمالكة كوب حيض، لم قررت استخدامها؟ وكيف كانت علاقتك بالحيض قبل هذا التغيير؟ 

لقد صدمت حين بدأت بالتعرف على سوائل عنق الرحم كعلامة طبيعية، صحية، وكجزء مهم للدورة. إن الوصول لتلك المرحلة من الحميمية والراحة مع الجسد كان تحدٍ بالنسبة لي، لأكشف عن سوائل عنق الرحم، لمسها، رؤية أشكالها، وتمديدها بين أصابعي. هذا الوعي الجسدي كان شبيهاً بتعلم لغة جديدة. لا أستطيع أن أنكر كيف ساعدني كوب الحيض في تحطيم هذا الحاجز الثقيل. بدأت الرحلة بالكشف عن عمق عنق الرحم لأجد المقاس المثالي للكوب. استطاعتي للمس جسدي، لرؤية دم بطانة الرحم، لمسه، وبناء هذه العلاقة الحميمية مع جسدي في فترة الحيض زادت من فعالية نجاحي في تعلم وممارسة وعي الخصوبة. حين أرتدي كوب الحيض فإني أمارس حياتي بشكل طبيعي، أذهب للمحاضرات، أسبح، أمارس اليوجا، وأجلس لكتابة المدونات. هو خياري الأمثل لأنه عملي، صحي، اقتصادي، وصديق للبيئة

 أود هنا لفت النظر إلى أهمية تعليم أطفالنا عن أجسادهم منذ الصغر، فعالمياً، نشعر بالحماسة حين يبدأ أطفالنا بالتعرف على مختلف أعضاء أجسادهم، سواء كان ذلك عن طريق إشارتهم إلى أنوفهم أو الطبطبة على رؤوسهم عند مناداة أي منها. ولكن سريعاً ما تتلاشى تلك الحماسة سرعان ما يبدأ الطفل/ـة بالتعرف على أعضائهم التناسلية. فسؤالي هو: لماذا نحتفل بوعي الطفل الذاتي بالجسد فقط في حال عدم تضمنه للأعضاء التناسلية؟ إن كان الأنف أنفاً، فلمَ لا يعرف أطفالنا أن المهبل مهبل أو أن القضيب قضيب بكل بساطة؟ قد يتعرف بعض الأطفال على أعضائهم التناسلية بأسماء غريبة كـ "لالا" أو "سوسو" أما البعض الآخر فلا يتعرف أو يطرح أي تسمية للأعضاء التناسلية بتاتاً. قد يرسل هذا الفقر المعرفي رسائل عديدة لوعي الطفل مفادها الصمت، العار، والدونية مما يؤثر فيما بعد على علاقتهم بأجسادهم وعلى علاقة الفتيات بدوراتهم وحيضهم.

savingPNG.PNG

 

نعيش في لحظة تاريخية تتسم بالتوتر على المستوى العالمي، كيف تؤثر هذه الظروف على أجسادنا ودوراتنا؟  

يمر أغلبيتنا بالضغط النفسي في الآونة الأخيرة، سواءً كان ذلك بسبب الانعزال الاجتماعي، السفر، تنظيم الميزانية، أو الخوف الجمعي، وذلك التوتر يلعب دور كبير في صحتنا الهرمونية، ولذا فالتغييرات الدورية متوقعة الآن. خلال الدورات القادمة، قد نلاحظ بعض الأعراض التالية نتيجة التوتر الجمعي: نمط غير اعتيادي لسوائل عنق الرحم، درجات حرارة متزعزعة، نافذة خصوبة طويلة، تأجيل للإباضة، دورات غير إباضية، وأعراض أكثر حدة لمتلازمة ما قبل الحيض.  

على الصعيد الشخصي، ونتيجة للتوتر الجمعي، لم ألاحظ سوائل عنق رحم أستروجينية خصبة شبيهة ببياض البيض في دوراتي الأولى مع بداية التباعد الاجتماعي، ودرجات الحرارة كانت أقرب للطور الواحد فقط، مما منعني من تأكيد حصول الإباضة حينها. أجسادنا عبقرية جداً! حين نكون تحت تأثير ضغط نفسي، فإن الدماغ يتواصل مع المبايض عاملين سوياً على تأجيل حصول الإباضة لوقت أكثر أماناً واستقراراً. وكأنهم يقولون: "زينب في حالة متوترة الآن، ولا نريد زيادة توترها باحتمالية حمل يا أصدقاء، فلنؤجل الإباضة لوقت لاحق

 

ما نصيحتك لكل من تقرأ هذه المقابلة؟  

القِ نظرة على جسدك، واسأل نفسك إن كنت تعرفيه. هو مشتاق لك، ودليلي هو رسالته الحيوية اليومية. أجسادنا ليست غامضة، وكل ما علينا هو تعلم لغتها. فهل أنتم مستعدون لتعلم لغة سحرية جديدة؟ 

IMG_9052.PNG






 

Previous
Previous

Celebrating Intuitive Women Medicine: Interview with Chantal Blake, Founder of Honoured Womb

Next
Next

Are We Strangers to our Bodies?